Admin Admin
عدد المساهمات : 106 تاريخ التسجيل : 05/06/2010
| موضوع: تعريف البدعة... الجمعة يناير 14, 2011 2:44 am | |
| البدعة لغة: الإنشاء والاختراع والإحداث على غير مثال سابق ومنه قوله تعالى:
)بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ( (البقرة 117والأنعام 101).
وقوله تعالى: )قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُل( (الأحقاف 9) أي ما أنا أول رسول يأتي من عند الله.
والبدعة في الاصطلاح أخذت في استعمال العلماء اتجاهين:
الأول: بعضهم حصروا البدعة بالمذموم منها وصرفوا كل الأدلة المفيدة ذم البدعة إليها، وهم فريقان، فريق تسامح فقصرها على المحدثات المخالفة لأصول الشرع وقواعده، والمناقضة للمصالح العامة التي ينشرها الشارع في جميع الأحكام، أما المحدثات المبنية على المصالح الشرعية، والمحققة لأغراضه العامة فلا يسميها بدعة بل يطلق عليها «السنة الحسنة»، وهذا الموقف يتفق مع العموم الوارد في السنة الذامّ للبدعة «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» ويوافق التفصيل الوارد في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها».
وفريق تشدد فأطلق الذم في قوله صلى الله عليه وسلم: «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» على كل محدثة وبدعة، ورد تقسيمها إلى بدعة حسنة وأخرى سيئة وعدَّها كلها ضلالة مذمومة إذا اتخذها ديناً قويماً وصراطاً مستقيماً، أما من ابتدع من الأمور الدنيوية من وسائل الاتصال والنقل والدفاع وأجهزة الخدمات والصناعة والزراعة والتعليم وما إلى ذلك من محدثات العصر فلا يدخل في باب البدعة لأنه ليس مستحدثاً في الدين.
والثاني: اتجاه الذين عملوا بمعنى البدعة اللغوي، فأطلقوها على كل محدث لم يرد بشأنه نص بخصوصه من الكتاب أو السنة سواء تعلق بأمر ديني أو بأمر دنيوي وسواءٌ أكان الفعل بحد ذاته محموداً، أي مؤيداً بالمبادئ والقواعد الشرعية ومحققاً لمصلحة أو غرض شرعي، أم كان مذموماً، أي معارضاً لأصل شرعي، ومناقضاً لمصلحة أو قاعدة من قواعده، فحمدوا الأول واستحسنوه، وسموه بدعة حسنة، وذموا الآخر وحذروا منه وسموه بدعة سيئة.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله «البدعة بدعتان، بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم».
ويقول ابن الأثير في النهاية: «البدعة بدعتان، بدعة هُدَى وبدعة ضلال، فما كان خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيّز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض عليه رسوله فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به، لأن النبيe قد جعل في ذلك ثواباً فقال: «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها» وقال في ضده: «من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها».
وعلى هذا القول جمهور علماء المسلمين، الذين أجروا على البدعة الأحكام الخمسة فقسموها إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة وقالوا: يُرجع لمعرفة حكم البدعة بين هذه المراتب إلى قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي المحرمة، أو في قواعد الندب فهي المندوبة أو في قواعد الكراهة فهي المكروهة، أو في قواعد الإباحة فهي المباحة. وقد يختلفون في إدخال بدعة ما في هذا النوع أو في غيره، لكنهم متفقون في الجملة على أن من البدع ما هو حسن ممدوح، ومنها ما هو قبيح مذموم.
وممن قال بهذا أئمةٌ أعلامٌ أمثال العز بن عبد السلام في كتابه «القواعد»، وكتابه «الفتاوى الموصلية» والإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» والقرافي في «الفروق» والإمام ابن حجر في «الفتح» وذكروا من أمثلة البدع الواجبة: الاشتغال بعلم النحو الذي يحتاج إليه لفهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك واجب لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى حفظها إلا بذلك، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وكذلك تدوين أصول الدين وأصول الفقه، ووضع القواعد اللازمة للاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية من النصوص وتصنيف الأدلة ومصادر الأحكام، وطرائق فهمها عند التعارض أو الإجمال أو الإبهام.
وكذلك الكلام في أصول الجرح والتعديل وأحوال الرواة لتمييز الصحيح من السقيم من الأخبار والآثار والسنن. وكذلك الرد على أهل البدع والزيغ، وتنقية الأفكار من الشبهات والضلالات، وبيان مزايا الشريعة وخصائصها بكل الوسائل المتاحة.
ومن أمثلة البدع المحَّرمة: بدع العقائد المنحرفة، كمذاهب القَدَرية الذين يزعمون أن الشرور والآثام واقعة بفعل العبد وصنعه، ولا علاقة للتقدير الإلهي بها، فأشركوا الإنسان مع الله بفعلها، ومذهب الجبرية القائلين بسلب الإنسان اختياره الملموس، وعدّوه مجبراً في كل ما يأتي ويذر، كالريشة في مهب الريح، فهدموا بذلك أركان التكليف الذي لا يقوم إلا على الاختيار، وخربوا قواعده من الأساس. ومذاهب المُجَسِّمة الذين نسبوا لله تعالى الجهة والمكان وأجروا الآيات الدالة على ذلك على ظاهرها ودخلوا في تشبيه الخالق بالمخلوقين، ومذاهب المرجئة القائلين بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان، وليس العمل بالجوارح ركناً من أركان الإيمان، لأن الإيمان عندهم هو التصديق فقط، فنقضوا ركن العمل من أساسه. ومنها بدعة التبتل والانقطاع للعبادة وترك الكسب والعمل أو التعمق والتشدد كالاختصاء لقطع شهوة الجماع، والصيام قائماً في الشمس مع وجود الظل وما إلى ذلك من تنطُّع يأباه الإسلام ويحث على خلافه.
ومن أمثلة البدع المندوبة: إحداث الرباطات (مواضع ملازمة ثغور العدو) والأوقاف والمدارس وكل إحسان وعمل من أعمال البر لم يعهد في العصر الأول، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، والكلام في دقائق الأحوال الموصلة إلى صفاء النفس وطهارة القلب وتهذيب النفوس من أدران الشهوات. ومن أمثلة البدع المكروهة: زخرفة المساجد وتزويق المصاحف، واجتماع الناس عشية عرفة للدعاء تشبهاً بالحجاج في عرفات، والاجتماع للدعاء ليلة النصف من شعبان والإسراف في المآكل والمشارب.
ومن أمثلة البدع المباحة: المصافحة عقب الصلوات، والتوسع في المآكل والمشارب والملابس والمراكب والمساكن، واستعمال أجهزة الاتصال المباحة.
بين البدعة والكفر
إذا كان الكفر حقيقياً يتعلق بأصل الإيمان، فإن البدعة تخالفه ولا تدخل في مفهومه، ويكون الكفر حقيقياً إذا كان كفر إنكار: بألا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به، أو كان كفر جحود بأن يعرف الله بقلبه ولا يقرّ بهِ بلسانه ككفر إبليس، أو كان كفر عناد بأن يعترف بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به حسداً وبغياً ككفر أبي جهل وأمثاله. أو كان كفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه.
أما إذا كان الكفر مجازياً، أو نشأ عن اعتقاد باطل بفرع من فروع الإسلام، والأول كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «من رغب عن أبيه فقد كفر» وقوله: «سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر» وقوله: «من أتى حائضاً فقد كفر» والثاني ما نقله الهروي: أن الأزهري سئل عمن يقول بخلق القرآن؟ أتسميه كافراً فقال: الذي يقوله كفر، فأعيد عليه السؤال ثلاثاً ويقول في كل مرة مثل ما قال، ثم قال في آخر الأمر: قد يقول المسلم كفراً... وكثير من صور البدع المذمومة داخلة فيهما. | |
|